تعزيز شركة آبل إنتاجها في الهند
في خطوة تُعد من أبرز التحولات الاستراتيجية في تاريخ سلسلة التوريد الخاصة بها، تخطط شركة أبل الأمريكية لتصنيع الجزء الأكبر من هواتف آيفون الموجهة للسوق الأمريكية في الهند، بدلاً من الاعتماد شبه الكامل على المصانع الصينية كما كان الحال لعقود.
تنويع سلاسل الإمداد: من الصين إلى الهند
ظلت الصين لعقود طويلة تمثل العمود الفقري لسلسلة التوريد العالمية لشركة أبل، حيث كانت مصانع مثل Foxconn وPegatron تدير
العمليات الإنتاجية الدقيقة لهواتف آيفون. إلا أن التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين، إلى جانب تأثيرات جائحة كوفيد-19 وما تبعها
من إغلاقات، دفعت أبل إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها التصنيعية.
الهند، بثقلها السكاني ونموها السريع في البنية التحتية الصناعية، باتت الوجهة البديلة المثلى. فوفقاً لتقارير اقتصادية حديثة، تعمل أبل
حالياً على تعزيز حضورها التصنيعي في الهند من خلال شراكات مع شركات مثل Foxconn وTata Group، وتوسيع قدرات الإنتاج لتغطي
الطلب المحلي والدولي، وخاصة السوق الأمريكية.
السوق الأمريكية تحت المجهر
ما يميز هذه النقلة النوعية هو أن الهند لن تكتفي بصناعة هواتف آيفون للأسواق الناشئة، بل ستصبح مركزًا رئيسيًا لتصنيع الأجهزة
الموجهة إلى الولايات المتحدة، وهي السوق الأهم والأكثر ربحية لشركة أبل. هذه الخطوة تعكس الثقة المتزايدة التي توليها أبل لقدرات
الهند التكنولوجية واللوجستية.
كما تشير التقديرات إلى أن نحو 25% من إجمالي إنتاج آيفون في 2025 سيكون مصدره الهند، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة تدريجيًا خلال السنوات التالية.
من الناحية الاقتصادية، ستسهم هذه الخطوة في خلق عشرات الآلاف من فرص العمل في الهند، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة
في قطاع التصنيع عالي التقنية. أما من الناحية السياسية، فستُنظر إلى هذه الخطوة كدعم مباشر للهند في مواجهة النفوذ الصناعي
الصيني، بما يتماشى مع التوجهات الجيوسياسية الجديدة التي تسعى إلى فصل الاقتصاد العالمي جزئيًا عن الصين.
رغم التفاؤل، لا تخلو هذه النقلة من التحديات. فالهند لا تزال تواجه عقبات تتعلق بالبنية التحتية، وسلاسة سلسلة الإمداد، وجودة العمالة
المدربة في مجالات التصنيع المتقدم. لكن أبل تبدو مصممة على تجاوز هذه التحديات، مستفيدة من دعم الحكومة الهندية، التي أطلقت
عدة مبادرات لتشجيع “صنع في الهند”.
ما بين ضغوط الواقع الجيوسياسي والطموحات الصناعية للهند، تجد أبل نفسها أمام فرصة لإعادة رسم خريطة التصنيع العالمية. وإذا ما
نجحت هذه الاستراتيجية، فقد تشكل الهند مستقبل آيفون، وتُحدث تحولًا جذريًا في موازين القوى داخل صناعة التكنولوجيا العالمية.